يرى الكاتب ماهر نسيبه، أن السلطوية في شمال شرق أفريقيا لا تظهر في قالب واحد، بل تتخذ أشكالاً متعددة تتقاطع عند جوهر واحد: بقاء الحاكم. يقدّم مقارنة كاشفة بين القاهرة وأسمرة، فرغم الفارق الكبير بين دولة تمتلك بيروقراطية عميقة ومؤسسات راسخة مثل مصر، ودولة تشكّلت من حركة تحرر مسلحة وصاغت السلطة فيها حول شخص واحد مثل إريتريا، تتقاطع غرائز الحكم لدى عبد الفتاح السيسي وإسياس أفورقي حول الشك في الاستقلال الجماعي، والخوف من أي قوة خارج إرادة الحاكم، والإيمان بأن سلطة الفرد يجب أن تطغى على أي سياسة أخرى.

 

من هذا المنظور، لا تنفصل ممارسات الحكم في الداخل عن السلوك الخارجي، وتتحول إثيوبيا إلى المرآة الأوضح لهذا التقاطع.

 

يوضح موقع هورن ريفيو، ويضع التحليل ضمن إطار يركّز على فاعلية الحاكم الفرد بوصفه محركاً رئيسياً للسياسة، لا مجرد نتاج لمؤسسات أو توازنات بنيوية، خاصة في الأنظمة السلطوية.

 

مصر: مؤسسات عميقة وسلطة شخصية

 

يستند التحليل إلى أعمال الباحث روبرت سبرينجبورج، الذي يرى أن السيسي أعاد تشكيل مؤسسات الدولة لتعمل كامتداد لحكم شخصي، رغم وراثته نظاماً أكثر تعقيداً مما عرفته إريتريا. يعتمد هذا النمط على أداتين مركزيتين: الخوف والطمع. يفرض الخوف الانضباط عبر إشاعة عدم اليقين في المجال السياسي، بينما يحافظ الطمع على الولاءات من خلال منح انتقائي للوصول إلى الموارد.

 

تجسّد المؤسسة العسكرية هذا المنطق بوضوح، إذ يتغلغل نشاطها في قطاعات اقتصادية واسعة، فتتحول الامتيازات الاقتصادية إلى رافعة طاعة سياسية. في الوقت نفسه، يقف الرئيس فوق أي مركز قوة قادر على التفاوض أو المطالبة باستقلال نسبي. يرافق ذلك بناء صورة رمزية تدمج الحاكم بالوطن، حيث تضيق مساحة النقاش العام وتدور السرديات الرسمية حول شخص الرئيس باعتباره تجسيداً للدولة.

 

ينتج عن هذا النمط تفكير تآمري يرى التهديدات في كل اتجاه، وينقل هذا المزاج إلى السياسة الخارجية. يظهر ذلك في تعامل القاهرة مع ليبيا عبر الانفتاح على أطراف متنافسة لضمان حماية المصالح المصرية، كما يظهر بوضوح في ملف حوض النيل، حيث تتعامل القيادة مع إثيوبيا بوصفها خصماً يجب كبحه بالضغط القانوني والدبلوماسي وبناء التحالفات، لا كشريك تفاوضي متكافئ.

 

ومع ذلك، تفرض مؤسسات الدولة المصرية حدوداً لا يستطيع السيسي تجاوزها بالكامل. يملك الجيش جذوراً عميقة، وتحتفظ البيروقراطية بثقل تاريخي، كما لا يمكن محو الخيال السياسي للمجتمع بسهولة. تولّد هذه العوامل نوعاً من الحذر في السياسة الخارجية، لأن أي مغامرة كبرى قد تفتح الباب أمام هشاشة داخلية.

 

إريتريا: دولة بلا وسائط

 

تتخذ التجربة الإريترية مساراً مختلفاً. صاغت حرب التحرير ثقافة سياسية تقوم على الانضباط العسكري والارتياب الدائم من الخارج. بمرور الوقت، بنى إسياس أفورقي نظاماً يخلو من مؤسسات مستقلة قادرة على تقييد سلطته. خارج الحزب الحاكم والقوات المسلحة، لا تظهر هياكل حكم ذات صلاحيات واضحة.

 

تعتمد السلطة على شبكات رعاية غير شفافة، حيث يحصل كبار الضباط على امتيازات تربط مصيرهم بالرئاسة، وتشمل أنشطة اقتصادية قسرية واستغلال الموارد ومسارات الهجرة. يكافئ النظام الولاء ويعاقب الانحراف بتدخل مباشر من المركز، لا عبر أطر قانونية. تلاشت مراكز القيادة التاريخية لحركة التحرير إما بالإقصاء أو بالتهميش، وتركزت السلطة في يد شخص واحد.

 

يُغذّي خطاب الحصار هذا النظام، إذ يُقنع المجتمع بأن بقاء الدولة مرهون باليقظة الدائمة ضد تهديدات خارجية. يتغلغل هذا الشعور في الحياة اليومية، فينشأ مجتمع معتاد على التعبئة المستمرة، وجيش يعتمد على رعاية الرئيس، وحزب حاكم ذاب في الدولة. في هذا السياق، تصبح السياسة الخارجية امتداداً مباشراً لمنطق الحكم الداخلي.

 

إثيوبيا: ساحة التقاء الغرائز السلطوية

 

تتحول السياسة الخارجية في الحالتين إلى أداة لتعزيز بقاء النظام. في مصر، يحمل ملف النيل قيمة رمزية هائلة، ويستخدمه السيسي لترسيخ فكرة أن الحاكم القوي وحده يحمي شريان الحياة. تتكامل هذه المقاربة مع تحالفات إقليمية مدروسة وعلاقات براغماتية تضمن دعماً خارجياً وتقدّم صورة الحارس للمصالح الوطنية.

 

في إريتريا، تُقرأ البيئة الإقليمية من زاوية تهديد دائم، وتحتل إثيوبيا موقع القلب في السردية الوطنية. حتى في فترات التقارب، تنظر النخبة الحاكمة إلى التحولات الإثيوبية بوصفها خطراً مباشراً. تتدخل أسمرة في صراعات الجوار، وتبني تحالفات مؤقتة مع فاعلين مسلحين، وتستغل هشاشة الإقليم لتبرير التعبئة الداخلية المستمرة.

 

رغم اختلاف الموارد والقدرات، يتقاطع النظامان في الاعتماد على سلطة شخصية وسرديات تمجّد القائد باعتباره رمز الصمود الوطني. يتعامل كل منهما مع إثيوبيا كساحة تُسقَط عليها المخاوف الداخلية وتُدار عبرها معارك البقاء. يخلص الكاتب إلى أن فهم هذا التقاطع يتطلب وضع فاعلية الحاكم الفرد في قلب التحليل، لأن السياسة الخارجية هنا لا تنبع من مصالح دولة مجردة، بل من منطق سلطة تسعى إلى الاستمرار قبل أي شيء آخر.

 

https://hornreview.org/2025/12/16/how-leadership-styles-drive-foreign-policy-in-egypt-and-eritrea/